نساء العراق تحت الاحتلال

المرأة العراقية تحت الاحتلال
1-2

انتصار إبراهيم الآلوسي

أمام مكتب الأمم المتحدة في دمشق، تقف أم مصطفى كل يوم ومنذ الصباح الباكر وحتى ساعات ما قبل الظهيرة، وهي تمد يدها لتشحذ القليل من النقود. تقول أم مصطفى أنها " بعد الستين أصبحت شحاذة بعدما كانت ربة بيت محترمة قبل أن يقتل زوجها وابنها البكر وزوجته وتهرب من العراق". هذه الصورة المرّوعة، تقول بلغة الأرقام، أن وضع النساء العراقيات في ظل الاحتلال الأمريكي أصبح مخيفاً،إذ طبقا ً لإحصائيات نشرتها منظمات عراقية ودولية، فقد قفز عدد المتسولات داخل العراق إلى أرقام مخيفة، أما خارج العراق؛ فإن مشاهد العراقيات المتسولات في شوارع عمان ودمشق غدت مشاهد مألوفة. لقد كشفت سلسلة من التقارير التي أصدرتها منظمات دولية ومحلية عن تدهور مستمر، ودون توقف تقريبا ً في أوضاع المرأة العراقية جراء الحرب ثم الاحتلال, فمثلا كشف تقرير لمنظمة " المرأة العراقية " التي تنشط في بغداد والمحافظات العراقية، أن العنف خلق مشكلة مزدوجة داخل الكثير من الأسر العراقية، ذلك أن خطف الرجال وقتلهم، يؤدي تلقائيا ً إلى انهيار الأسرة. ويشير التقرير السنوي لمنظمة اليونيسيف (2007) إلى وجوب حماية المرأة في العراق، ويشدد على الدعم القوي لمعالجة اخطر القضايا التي تتعرض لها النساء والفتيات في العراق، فقد لاحظ التقرير أن ارتفاع نسبة الوفيات بين الأمهات، بات يشكل معضلة كبيرة حيث وصلت نسبة الوفيات إلى 193 -290 حالة لكل 100 ألف. وأوعز التقرير سبب الوفيات إلى الفقر وتدني الخدمات الصحية, في حين تجاهل السبب الرئيسي الذي يعود إلى سنوات سابقة على الاحتلال، عندما وضع العراق تحت رحمة العقوبات الدولية، فمنذ الأشهر الأولى للحصار، شهد العراق تسارعا ً في نسب وفيات الأمهات والأطفال جراء نقص الأدوية، وتزايد حالات الحرمان من الطعام. وتعتبر المرآة في مجتمع مثل العراقي بتركيبته العشائرية التقليدية،العنصر الأكثر هشاشة وخصوصا ً في بيئة الحرب والاحتلال. وتشير تقارير أخرى صدرت عن منظمات دولية إلى أن وضع المرأة العراقية تحت الاحتلال الأمريكي, أصبح مزريا ً، ففي تقرير نشرته اليونيسيف ؛ فإن عدد النساء اللواتي يترأسن آسرهن بلغ (11%) وأن هذه النسبة آخذه في الازدياد بسبب العنف والاقتتال الطائفي, وهناك عشرات النساء يترملن يومياً حتى بلغ عدد اليتامى نحو 4ملايين يتيم يعيلهم 1،5 مليون امرأة. أما إحصائيات منظمه الصحة العالمية في ( تقرير نيسان/ أبريل2007 ) فيشير إلى وجود مليوني امرأة أرملة و 900 ألف طفل معاق.لكن آخر التقارير تؤكد أن عدد الأرامل وصل حتى هذه السنة ( مطلع 2009) إلى 3 مليون، بينما ارتفع عدد الأطفال الأيتام إلى 5 مليون طفل. ويلاحظ في جميع تقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية إلى أن أصابع الاتهام توجه إلى العنف والاقتتال الطائفي، وما تسببه المليشيات من مآس ٍ اجتماعية. وفي مسح أجراه برنامج الغذاء العالمي عام 2006 حول نسبة النساء العاملات في العراق اللواتي تتراوح أعمارهن بين ( 16 ـ 60 ) سنة، لاحظ معدو التقرير أن عدد النساء صغيرات السن ممن دخلن حقول العمل بلغ 14% بالنسبة إلى عدد الرجال العاملين (86% ).وتشير تقارير موثقة أخرى إلى أن تدهور النظام التعليمي أدى انقطاع معظم التلاميذ عن الدراسة, ففي عامي (2003ـ2004 ) ترك حوالي 600 ألف تلميذ مقاعد الدراسة وأن 74% منهم من الإناث ( حسب المسح الوطني ومنظمة اليونيسيف) . فيما أكدت إحصائية وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقي (آذار ـ 2007 ) تفشي ظاهرة التسول بين النساء والأطفال وأن 9 مليون عراقي يعيشون تحت خط الفقر، الأمر الذي يتسبب في لجوء معظم النساء إلى المؤسسات الخيرية لمساعدتهن وعوائلهن. وفي بلد كان إلى ما قبل الاحتلال بقليل يعتبر منارة للعلم ،تنتشر الأمية في العراق اليوم بشكل مخيف وخاصة بين النساء والفتيات . وفي بلد يفيض بالثروات و يعد من أغنى بلدان العالم على الإطلاق، باتت فيه المرأة- تحت ظل الاحتلال- اتمد يدها من اجل لقمة تسد رمق صغارها. ويتحدث تقرير مفصل أصدرته إحدى المنظمات النسائية غير الحكومية وتعنى بحقوق المرأة ومساعدة ضحايا الاحتلال تدعى اختصاراً - OWFI- عن حالات قتل وترهيب وحتى اعتقال، قامت بها قوات الاحتلال والمليشيات الطائفية، بما يعد انتهاكاً صارخا ً لأبسط الحقوق المدنية للإنسان والمرأة بصورة خاصة, ويوثق التقرير حالات الاستخدام المنظم للعنف على أساس التمييز الجنسي ضد المرأة من قبل المليشيات المتطرفة .

كما قامت الأمم المتحدة و(منظمة العفو الدولية ) بتوثيق الهجمات التي وقعت ضد المرأة في العراق والتي بدأت فعلاً بعد أسابيع قليلة فقط من الغزو الأمريكي, وبالرغم من وضوح الحقائق التي كشفت عن القدر الواسع لمعاناة المرأة والإهمال الذي تعرضت له وسط الفوضى والعنف، إلا أن المنظمة لم تتخذ أي خطوات أو إجراءات لوقف مثل هذه الانتهاكات من جانب قوات المحتل الأميركي .وهذا ما طالبت به المنظمة الدولية لحقوق المرأة MADRE . وبحسب مديرة اتصالات المنظمة الدولية لحقوق المرأة MADRE وكاتبة التقرير؛فإن السلطات الأمريكية لم تتخذ أية خطوات لإيقاف هذا العنف. وهل من الفطنة أن نتسأل لماذا لم تقم قوات الاحتلال الأمريكي بأية إجراءات أو خطوات لوقف مثل هذه الجرائم ؟